فلسفة Zscaler الأمنية ونموذج الثقة المعدومة مقابل الشبكات التقليدية وVPN
مع تصاعد العمل عن بُعد وزيادة التهديدات السيبرانية، أصبحت استراتيجيات تأمين الشبكات التقليدية (على غرار أسلوب القلعة المحصنة مع محيطها) محدودة الفعالية. فالنهج التقليدي يفترض أن الأصول الداخلية آمنة بمجرد تجاوز جدار الحماية، ما يعني أن الخوادم ذات المنافذ المفتوحة تتعرض مباشرة لهجمات المهاجمين . أظهرت دراسة عملية استخدام أنظمة فخ للاستدراج (honeypot) أن «الخوادم المكشوفة تصبح متاحة للجهات الخارجية، سواء كانت أخلاقية أو خبيثة» ، كما يمكن للمهاجمين استغلال أي منفذ TCP/UDP مفتوح لمهاجمة السيرفرات الداخلية (على سبيل المثال، قد يستخدم المهاجم طلبات SYN المفتوحة على المنفذ 443 لاختراق السيرفر بنقاط ضعف معروفة) . هذا يعني ببساطة: «الهجمات لا تنجح على ما لا يمكن رؤيته» ، وبالتالي فإن شبكات الشركات التي تُظهر منافذها على الإنترنت تعرض نفسها لمخاطر كبيرة.
في السياق نفسه، كانت الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) تستخدم تقليديًا لربط الموظفين عن بُعد بالشبكة الداخلية. فـVPN هو أداة تنشئ نفقًا مشفّرًا وموثقًا بين جهاز المستخدم وشبكة المؤسسة، مما يمنح الموظف وصولًا إلى أنظمة الشركة الداخلية الضرورية للعمل . ولكن كما يشير الخبراء، فإن هذا التصميم يجعل «VPN يوسّع الشبكة الداخلية إلى العالم الخارجي حيث الأمان مجهول» ، أي أن أي ثغرة خارجية تعني وصولًا كاملًا إلى الشبكة. وعلاوة على ذلك، فإن إعدادات الـVPN قد تكون معقدة بطبيعتها، وتحتوي على ثغرات يسارع المهاجمون لاستغلالها . وإذا نجح المهاجم في اختراق قناة الـVPN، فإنه يتمكن من التنقّل بحرية عبر الشبكة الداخلية للوصول إلى بيانات حساسة أو تعطيلها – حالة يُعبّر عنها البعض بأنها «انتهت اللعبة (Game Over)» .
• مساحة هجوم متسعة: توسّع الـVPN الشبكة الداخلية ليشمل الإنترنت، ما يفتح منافذ جديدة يتسلل عبرها المهاجمون .
• الثقة المطلقة: يفترض الحل التقليدي أن كل من على الشبكة موثوق، ما يُمكّن المخترق من التنقل الجانبي داخل الشبكة بمجرد اختراق نقطة واحدة .
• صعوبة التكوين والإدارة: تهيئة بوابات الـVPN والجدران النارية بصورة آمنة معقدة، وأية خطأ فيها يترك ثغرة للمهاجم .
نموذج الثقة المعدومة وأهميته
نموذج «الثقة المعدومة» (Zero Trust) يأتي ليفرض مبدأً عكس النهج التقليدي: «تحقّق دائمًا ولا تثق أبدًا» . بمعنى آخر، لا يُفترض أمان أي جهاز أو مستخدم بحد ذاته، بل يُتحقّق من كل طلب وصول بحذر وكأن مصادره على شبكة مفتوحة بالكامل . في هذا الإطار، تطبّق المؤسسات سياسات وصول صارمة بأقل الامتيازات الممكنة، ويُطلب من المستخدمين إتمام مصادقة قوية (مثل المصادقة المتعددة العوامل) وتقييم حالة أجهزتهم باستمرار . كذلك تُفصل الشبكة إلى مناطق مصغّرة (Micro-segmentation) بحيث يُسمح للمستخدم بالوصول فقط إلى التطبيقات والموارد المحددة التي يحتاجها، ولا يُفتح له أي مسار مجاني داخل الشبكة. وقد أثبت هذا النموذج فعاليته في تمكين الحماية الديناميكية؛ ففي ظل بيئة العمل المختلطة والحوسبة السحابية، لم يعد جدار الحماية التقليدي وحيدًا كافيًا لمنع التهديدات، لذا أصبحت آليات الثقة المعدومة ضرورة لتأمين البنية التحتية الرقمية .
كيف تختلف Zscaler عن الحلول التقليدية
تعتمد منصة Zscaler Zero Trust على تحويل نموذج الاتصال التقليدي رأسًا على عقب. بدلاً من إدخال المستخدم بشكل مباشر إلى الشبكة الداخلية، ينشئ Zscaler نفق TLS مشفر ومُوثّق بين جهاز المستخدم وسحابة Zscaler الآمنة. قبل فتح أي قناة اتصال، يتم التحقق المتبادل من هوية المستخدم وجهازه . النتيجة: يتم توجيه المستخدم مباشرةً إلى التطبيقات المصرّح لها دون أن يحصل على عنوان IP للشبكة الداخلية أو أي وصول شامل. كما يوضح Zscaler: «ZPA يوفّر اتصالات مباشرة من شخص إلى تطبيق معتمد؛ على عكس الـVPN، لا يصل المستخدمون إلى الشبكة الداخلية أبدًا ولا تظهر التطبيقات للإنترنت العام» .
تتضح مزايا هذا النهج في عدة نقاط رئيسية:
• نفق آمن مُوثَّق (TLS): يُنشئ عميل Zscaler نفقًا مشفّرًا (TLS) من جهاز المستخدم إلى أقرب بوابة سحابية، مع توثيق متبادل لهوية المستخدم والجهاز قبل أي اتصال .
• وصول بحسب التطبيق: يتم توجيه الاتصال مباشرة إلى التطبيقات المصرّح بها فقط دون السماح بالوصول إلى الشبكة بأكملها ، مما يقلل فرص الحركة الجانبية.
• أقل امتياز وترخيص دقيق: تُطبّق سياسات أقل الامتياز بدقة (Micro-segmentation) بحيث يحصل المستخدمون على الأذونات الضرورية فقط، ما يمنع أي وصول عشوائي إلى الموارد .
• إخفاء الشبكة الداخلية (“الشبكة المظلمة”): تخفي Zscaler موارد المؤسسة خلف السحابة، فلا يمكن للمهاجم أن يرى منافذًا أو خدمات ظاهرة على الإنترنت . كما يقول أحد المدونات التقنية: «الميزة في الذهاب إلى العتمة هي أن المخترقين لا يستطيعون مهاجمة ما لا يرونه» . بهذه الطريقة، لا تظهر خوادم الشركة للمهاجمين إلا بعد التحقق الكامل من الهوية، ما يقضي عمليًا على مساحة الهجوم الخارجية.
هذه الفوارق التقنية تمنح Zscaler قيمة أمنية عالية مقارنةً بشبكات VPN التقليدية، حيث تضمن حماية التطبيقات والبيانات دون التضحية بسرعة الاتصال أو تجربة المستخدم. في الواقع، يحقق نموذج Zscaler Zero Trust أداءً عاليًا في توصيل التطبيقات بشكل آمن وسريع للمستخدمين عبر أي موقع أو جهاز . وباختصار: بتوصيل المستخدم مباشرة بالتطبيقات المصرّح بها وتصفية كل اتصال، يتم تقليص مساحة الهجوم وإلغاء الحركة الجانبية (Lateral Movement) داخل الشبكة .
دوافع التحول إلى نموذج الثقة المعدومة
أصبحت الحاجة إلى نموذج الثقة المعدومة ملحّة مع تزايد حجم البيانات وانتشار الأجهزة المتصلة والتهديدات المتطورة. في العام 2023 مثلاً، أشار تقرير من Zscaler إلى أن هجمات الفدية قد ارتفعت بنسبة تقارب 40%، ما كشف بشكل جليّ عن نقاط الضعف في شبكات الـVPN القديمة ودفع بالعديد من المؤسسات لاعتماد ZTNA . كما يؤكد محللون مثل Gartner أن ZTNA «يوفر وصولًا مسيطرًا إلى الموارد، ويقلل من مساحة الهجوم. العزل الذي يوفره ZTNA يحسن الاتصال ويغني عن تعريض التطبيقات مباشرةً للإنترنت» .
بناءً على ذلك، تستفيد الشركات الحديثة من نموذج الثقة المعدومة لتحقيق أهداف أمنية وعملياتية عديدة:
• تقليل مخاطر الاختراق: بفصل الوصول عن الشبكة الداخلية وتصغير مساحة الهجوم قدر الإمكان ، يتعذر على المخترقين العثور على ثغرات دون تفويض صارم.
• تعزيز المرونة والإنتاجية: يمكّن الموظفين من الوصول السريع والآمن إلى التطبيقات الحيوية من أي مكان، دون تعقيد بنية الشبكة أو الحاجة إلى ربطهم بشكل كامل بالبنية التحتية التقليدية .
• إدارة مبسطة: يتيح أمن الثقة المعدومة دمج خدمات الحماية في سحابة مركزية واحدة، ما يقلص الحاجة إلى عدة حلول نقطية معقَّدة ويسهّل مراقبة حركة البيانات وحماية المستخدمين بغض النظر عن مكان تواجدهم .
في الختام، يجمع أمن الثقة المعدومة بين تحقيق مستوى أمان أعلى وتجربة مستخدم أفضل وإدارة أكثر سلاسة. ولهذا يتجه عدد متزايد من المؤسسات المعاصرة لاستبدال شبكات VPN التقليدية وأنظمتها الأمنية الحاجزية بمنصات مثل Zscaler التي تعتمد الثقة المعدومة، وذلك لحماية بنيتها التحتية الرقمية من الهجمات المتطورة بكفاءة أكبر.